راودتني عن نفسي


راودتني عن نفسى

ا. عماد حجاب

نمت و أنا أفكر فيها ، فرأيتها فى منامى


اعترضتنى و أنا سائر فى طريقى ...
حلوة ... متزينة كأشد ما يكون التزين .. متعطرة ... جاذبيتها شديدة جداً و كأنها تحمل فى داخلها مغناطيس رهيب ... بصراحة هى فاتنة بكل ما تحمله الكلمة من معان


و برغم ذلك لَمَّا رأيتها أجفلت .. ارتعدت .. خفت أن أقع فى شباكها


و بصعوبة حولت نظرى عنها و استدرت و أعطيتها ظهرى و سرت فى طريق آخر ، فأسرعت الخطى و لحقت بى ووقفت أمامى ، و ابتسمت فى وجهى ابتسامة آسرة ، كدت أذوب منها


احمر وجهى و تسارعت أنفاسى و أحسست بشعور الذى يقف أمام أتون مشتعل


أخرجت منديلى أجفف عرقى ، فإذا بابتسامتها تتسع ، و نظرة ثقة مفرطة تشيع فى وجهها الجميل . ثم كلمتنى فإذا صوتها كأعذب ما تكون الموسيقى


سألتنى : كيف حالك ؟


فرددت عليها بصوت مرتعش :
بخير ... ما دمت بعيدة عنى


ابتسمت ساخرة و قالت : يااه ... هكذا ؟


كدت أفقد سيطرتى على
نفسى فتعمدت أن يكون صوتى خشناً و أنا أقول لها : نعم .. هكذا


سألتنى : لما تعاملنى هذه المعاملة السيئة ؟


- أنا لا
أريد أن أعاملك أصلاً


-
لماذا تهرب منى ؟


- لأنى أعرفك جيداً


- و ماذا
تعرف عنى ؟


- أعرف أنه لا أمان لك


- من أنبأك هذا ؟


- عشاقك القدامى


- و ما أدراك أنهم لم يغشوك ؟


- لأنى رأيتهم بنفسى و هم يلعنونك بعدما أفاقوا و عرفوا حقيقتك


- و برغم ذلك لو أشرت لأحدهم لجائنى حبواً


- فقلت لها بحدة : إذن فاذهبى لأحدهم و إليك عنى


ثم استدرت لأنطلق ، فأمسكت بذراعى و التفت لتقف أمامى مرة أخرى فأحسست بطراوة يديها و ملأ خياشمى عطرها الفواح فأحسست دواراً ... جميلة هي و شهية ... لا أستطيع أن أنكر هذا


آه لو تركت لها
نفسى ، إذن لاستمتعت استماعاً لا حد ، و لكنى أفقت من خيالاتى


قالت لى بإغراء :


- أنا لا
أريد أحداً غيرك


- ماذا تريدين منى ؟


- أنا لا
أريد منك شيئاً ... أنا أريدك أنت


- و ماذا تفعلين بى ؟


-
أريد أن أسعدك ... أريد أن أملأ حياتك بهجة و سروراً


نظرت فى عينيها فكدت أنهزم أمام جيوش أهدابها الطويلة ، فهززت رأسى و كأنى أنفض عن
نفسى الخور


- لا تحاولى معى فلست كغيرى ممن وقع فى شباكك


ضحكت فى استهتار و قالت :


- كلهم قال مثل ما قلت


أحسست بثورة من سخريتها و كلامها فحاولت أن أقول لها كلاماً يجرحها و لكنى أحجمت ، و شعرت هى بما فى داخلى فقالت بصوت خافت :


- لا تخف منى ... جربنى .. و إن لم أعجبك اتركنى


- و
لماذا أقدم على شيء أعلم من البداية أنه خاسر


- أنت شاب ... و الشباب يحبون المغامرة .. فلم لا تجرب ؟


- نعم ... أنا أحب المغامرة لا الانتحار


- أتسمى حبك لى انتحاراً ؟


- حبى لك ؟! هل ظننت أنى فى يوم الأيام سوف أحبك


- و
لماذا لا تحبنى ؟ أنا جميلة و غنية و صاحبة نفوذ


- و لكنك فاجرة


لا أدرى كيف خرجت هذه
الكلمة من فمى و ظننت أنها ستنفجر فى و لكنى فوجئت برد فعلها البارد


- أهكذا ترانى ؟


كانت
الكلمة قد خرجت منى و لم يعد هناك مجال للتراجع لذا قلت لها :


- نعم ... هكذا أراك


- أفسدوك على


- من هؤلاء ؟


- الذين تسمع منهم ، لم لا تجرب لعلك تنجح فيما فشلوا فيه ؟


- و
لماذا أجرب شيئاً أخبرنى من أثق فيه أنه سيضرنى و لا ينفعنى


- لم أكن أعلم أنك إمعة


- إمعة ؟


- نعم .... كنت أحسب أنك سيد قرارك


- آه ... أسلوب
جديد لإثارتى و تحفيزى على ما تبتغين ... هيهات .. لا تحاولى


- أنت لا تفهمنى


- أنا أفهمك جيداً ... لأجل هذا أن أهرب منك


- سأجعلك ملكاً


- بئس الملك الذى يأتينى عن طريقك


- سأجعلك غنياً


- لا
أريد غناك


- أقبل و لا تخف


- إليك عنى ... لا تقتربى منى ... أنا و أنت لا يمكن أن نتحد أو نكون خليلين أبداً


- ستندم


- سأندم لو أطعتك


- لن تستطيع أن تقاومنى إلى الأبد


- سأقاومك ما حييت


- و أنا سأجعلك هدفى ما حييت ... و أراهنك أنى سأنتصر عليك


- ستخسرين الرهان


اقتربت منى أكثر حتى كادت تلتصق بى ، فأحسست فوراناً و مادت بى الأرض ، فأنا أضعف مما أحاول أن أبدو ، و شعرت هى بذلك فابتسمت و قالت لى :


- أحبك


كادت تقضى على ما تبقى من لدى من عزم ، و حاولت أن أتكلم فلم يصل
الكلام إلى لسانى ، فاتسعت ابتسامتها و قالت


- أعلم أنك تحبنى ، و لكنك تكابر


- أنا لا أحبك


- بل تحبنى ، و أنا أشعر بذلك


- ..........


- لا تكابر


- ..........


- لا تعاند


- .......


- لا تضيع هذه الفرصة من يدك


أغمضت عينى و أحاطت بعقلى سحابة من الأحلام ، المال ، الجمال ، السلطة ، النفوذ ، الشهرة ، كل هذا يتحقق بإشارة من يدى


الأمر ليس بالخطورة التى تصورتها ، الأمر يستحق بعض التضحيات القليلة


كانت تشعر بما يعتمل فى داخلى ، فأحبت أن تطرق الحديد و هو ساخن


- ماذا قلت يا مليكى


فتحت عينى و نظرت إليها ، و سمعت صوتاً داخلى يبتعد رويداً رويداً و يخفت رويداً رويداً يقول لى : أفق قبل فوات الأوان .... أفق قبل فوات .... أفق قبل .... أفق ... أفـ..


قلت لها بضعف :


- و ما يضمن لى أنك لن تفعلى بى مثل ما فعت بمن سبقنى ؟


فقالت بدلال : أنظر فى عينى


فنظرت فى عينيها فإذا بحر من الأسرار ، وسمعت صوتها عميقاً يقول :


- هل هذه عين كاذبة


فقلت كالمسحور : أبداً


- هل ستأتى معى ؟


هززت رأسى أن : نعم


قالت : إذن بقى أمر


- ما هو ؟


أخرجت من حقيبة يدها ورقة و قلماً ؟


فسألتها : ما هذا ؟


- هذا إقرار منك بأنك أتيت معى برغبتك ، و أنك بمجرد أن توقع على هذا الإقرار فإنك ملكى


- و
لماذا ؟


- حتى أضمن أنك لن تتراجع مرة أخرى


ترددت .. أنا بهذا أبيع لها
نفسى بمقابل لم أقبضه بعد


أحست بترددى فاستعملت سحرها مرة أخرى ، أحاطت وجهى بكفيها الرقيقين و عبأت خياشمى بأريجها فكأنما خدرتنى ، فأمسكت بالقلم و الورقة ووقعت ،فأطل من عينيها بريق النصر


ثم ضحكت فأشرقت
نفسى و أمسكت بيدى و قادتنى كالطفل و أن أتعجب من موقفى الذى تبدل فى لحظات ، و لكنى أقنعت نفسى أننى الآن على صواب و موقفى السابق كان مبالغاً فيه


سرت وراءها حتى دخلنا قصرها ، صعدت وراءها إلى غرفتها


و أغلقت الباب خلفنا ، فأصابتنى قشعريرة ، و سألت
نفسى هل حقاً أنا معها وحدنا


هل حقاً سأستمتع بهذا الجمال وحدى


وقفت عند الباب لا أجرؤ على الاقتراب منها فمنحتنى أجمل ابتسامتها ثم استدارت إلى المرآة و نظرت إلى انعكاس صورتى فيها ووضعت يدها على رأسها و نزعت شعرها المستعار


امتلأت
نفسى بالذعر .... ما هذا ... إنها شمطاء ... شعرها أشعث أبيض كالقطن


ثم مدت يدها إلى رموشها و نزعتها و إلى عينيها فنزعت عدساتها فبانت عينها على حقيقتها


ثم مدت يدها داخل فمها و نزعت طاقم أسنانها


لم يبق من الحسناء التى أسرتنى منذ قليل إلا مسخ


ندت منى صرخة سمعتها فالتفتت فى هدوء و سألتى :


- ماذا بك ؟


- أنت عجوز


- و ماذا فى هذا ؟


- و قبيحة جداً


- أنت قلت أنك تعرفنى جيداً


- لم أكن أعرف بهذا القبح


- هذا شأنك ... كان ينبغى أن تتوقع هذا


- أنت غششتنى


- أنا لم أغشك ... أنت غششت نفسك


- أنت سحرتنى


- ليس لدى هذه القدرة .... أنت أقنعت نفسك بهذا


- ليتنى ما تبعتك


- فات أوان الندم


- ماذا تعنين ؟


- أنسيت أنك الآن ملكى


- كيف ؟


- أنسيت أنك وقعت إقراراً بذلك ؟


- أيتها المخادعة ؟


- أنت الذى خدع
نفسه و أقنعها بالسراب


- ألححت على ... حتى ضعفت


- بل كنت ضعيفاً من البداية


- حذرونى منك


- و لم تسمع لهم


- كنت شديدة القوة


- بل أنت شديد الضعف


- لن أستسلم لك


- ليس هذا بمقدورك الآن


- بل بمقدورى


- و الإقرار


- لا يلزمنى ... لن أنفذه


- هل تظن أنك تستطيع ذلك


- نعم أستطيع


- أتتحدانى


- نعم أتحداك ... أيتها الشمطاء القبيحة


- ما زال لدى ما يغريك ... لدى المال و السلطة و النفوذ


- أدركت الآن أن كل ما لديك سراب


- لا تتسرع


- بل لقد تسرعت حينما وافقتك


- و ماذا ستصنع الآن ؟


- سأهرب ... سأجرى ... سأنطلق .... سأفر بجلدى


- حاول


استدرت و جريت فوقعت على وجهى ، و نظرت إلى قدمى فوجدت أن بها أغلالاً لا أدرى متى وضعت فى قدمى


تعالت ضحكاتها الشيطانية ، و مددت يدى أحاول أن أفك تلك القيود و لكنى وجدتها محكمة عسيرة الفك


سألتها : ماذا فعلت بى ؟


- بل ماذا فعلت
بنفسك ؟


- غررتنى


- هذه مهنتى


- خدعتنى


- هذه وظيفتى


- كنت أحسبك
حلوة خضرة


- و ماذا وجدتنى


- جيفة قذرة


- لن تكون أول و لا آخر من أستطيع خداعه


- أنت حقاً متاع الغرور ، لو استطعت أن أخرج الآن و أنادى و أصرخ فى الناس


أيها الناس لا تغتروا فى الدنيا ... إنها سراب زائل و متاع كاذب ... اعتبروا بمن سقط فى شراكها قبلكم


قالت لى و كأنها تنصحنى :


- لا تتعب نفسك هم يعلمون ،و مع ذلك سيصنعون مثل ما صنعت إلى يوم القيامة


- أعوذ بالله منك ... أعوذ بالله منك ... أعوذ بالله منك ...


*******************


استيقظت ... الحمد لله ... ما زلت على
البر ... لن تخدعنى ... لن تقهرنى .... سأتمسك بدينى و سأستعين بالله عليها .


أسأل الله
تعالى أن ينجينى منها و من خطرها






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطة جهنمية للزواج من الثانية - ممنوع دخول النساء

معنى كلمة وديمه

لماذا يسمى الحمار مصري