خنساء هذا العصر

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الكاتب , بينما كنت مسافر برا بالقرب من منطقة جدة , تفاجأت بحادث سيارة وقع لحينه ... كنت أول من وصل لمكان الحادث ... أوقفت سيارتي واندفعت مسرعا الى السيارة المصطدمة ... تحسستها بحذر ... نظرت الى داخلها ... حدقت النظر ... نظرت الى داخلها ... خفقات قلبي تنبض بشدة ... ارتعشت يداي ... تسمرت قدماي ... خنقتني العبرة ... ترقرقت عيناى بالدموع ... ثم أجهشت بالبكاء ... منظر عجيب .. وصورة تبعث الشجن .. كان قائد السيارة ملقى على مقودها .. جثة هامدة .. وقد شبص بصره الى السماء .. رافعا سبابته .. وقد افتر ثغرة عن ابتسامة جميلة .. ووجه تحيط به لحية كثيفة .. كأنه الشمس في ضحتها .. والبدر في سناه ... والعجيب بأن طفلته الصغيرة كانت ملقاة على ظهره ... محيطة بيديها على عنقه ... ولقد لفظت أنفاسها ... وودعت الحياة ... لا إله إلا الله ... لم أر ميتة كمثل هذه الميته .. طهر وسكينة ووقار ... صورته وقد أشرقت شمس وسكينة ووقار .. واستقامة على محياه ... منظر سبابته التي توقفت على توحيد الله ... جمال ابتسامته التي فارق بها الحياة .. حلقت بي بعيدا ... تفكرت في هذه الخاتمة الحسنة .. إزدحمت الأفكار في رأسي .. سؤال يتردد صداه في أعماقي .. كيف سيكون رحيلي!! .. على أي حال ستكون خاتمتي؟ .. يطرق تجاهي بشده .. يمزق حجاب الغفلة .. تنهمر دموع الخشية .. ويعلو صوت النحيب .. من رآني هناك ضن أني أعرف الرجل .. أو أن لي به قرابة ..كنت أبكي بكاء الثكلى .. لم أكن أشعر بمن حولي !! إزداد عجبي حين انساب صوتها يحمل برودة اليقين ,, لامس سمعي وردني الى شعوري .. يا أخي لا تبكي عليه .. إنه رجل صالح ... هيا هيا .. أخرجنا من هنا وجزاك الله خير .. إلتفت إليها فإذا بها إمرأة تقبع في المقعد الخلفي من السيارة .. تضم الى صدرها طفلين صغيرين لم يمسا بسوء .. كانت شامخة في حجابها شموخ الجبال .. هادئة في مصابها .. لا بكاء ولا نياح .. أخرجناهم جميعا من السيارة .. قالت لنا وهي تتفقد حجابها وتستكمل حشمتها .. في ثباب ورضاء بقضاء الله وقدره ... لو سمحتم احضروا زوجي وطفلي الى أقرب مستشفى .. وسارعوا في إجراءات الغسل والدفن .. واحملوني وطفلي الى منزلنا جزاكم الله خير الجزاء .. بادر بعض المحسنين الى حمل الرجل وطفلته الى أقرب مستشفى ... وأما هي فلقد عرضنا عليها أن تركب مع أحدنا الى منزلها .. فردت في حياء وثبات .. لا والله .. لا أركب إلا في سيارة فيها نساء .. ثم إنزوت عنا جانبا .. وقد أمسكت بطفليها الصغيرين .. استجبنا لرغبتها ولكن مضى وقت طويلا إلا أن مرت بنا سيارة فيها رجل وأسرته ... أوقفناهم .. أخبرناه خبر هذه المرأة ... وسألناه آن يحملها الى منزلها ... فلم يمانع ... عدت الى سيارتي .. وأنا أعجب من هذا الثبات العظيم
قال تعالى
" يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ".






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خطة جهنمية للزواج من الثانية - ممنوع دخول النساء

معنى كلمة وديمه

لماذا يسمى الحمار مصري